حركة العلم صوب المجتمع Interplay between Science and Society

اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو في إطار لقاءات ”مقهى العلوم“ إعداد سلوى السنيورة بعاصيري الأمينة العامة اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو في إطار لقاءات ”مقهى العلوم“ التي تنظمها الأكاديمية المكلية للعلوم بيروت، 7 آذار/ مارس 2007

يستنتج من عنوان المداخلة ” حركة العلم صوب المجتمع ” أن هناك مسافة تفصل بين مرجعتين مؤكدتين هما المجتمع والعلم أن هناك مساراً على المتجه صوب الآخر أن يسلكه أو أن عليهما معاً اختزال المسافة الفاصلة بينهما بهدف الالتقاء أن هناك مؤشرات تدل على تحرك طرف بإتجاه الآخر

ما قبل الخوض في مضامين مقولة " حركة العلم صوب المجتمع ” دعونا نستطلع ما هو التعريف المتداول للعلم ودوره سابقاً وحاضراً

خضع مفهوم العلم ودوره إلى تطور وتطوير متواصل عبر الزمن نتيجة تبدلات وتحولات عديدة شارك العلم نفسه في أحداثها

تقليداً عُرِّف العلم بانه : استطلاع لقوانين الطبيعة ومحاولات لفهم الانظمة والعمليات المعقدة في نطاق متسع للزمان والمكان جهود لارضاء العقل والتفكير توسيع لحدود المعرفة والسعي الحثيث لتحقيق ذلك ( التأمل بأصل الحياة، أصل الحركة، أصل التفكير ... الخ )

سمحت اعتبارات عدة باعتماد تعريف كهذا للعلم يبتعد سمحت اعتبارات عدة باعتماد تعريف كهذا للعلم يبتعد عن تفاصيل المجتمع وإهتماماته من بينها : وجود فاصل زمني ممتد يفصل بين النظرية العلمية والتطبيق التقني لها كون العالم ينأى بنفسه عن نتائج بحثه وتأثيراتها على المجتمع

وظهرت أيضاً تعاريف عدة أخرى تربط العلوم والمعرفة بالمجتمع من بينها : - وظهرت أيضاً تعاريف عدة أخرى تربط العلوم والمعرفة بالمجتمع من بينها : - العلم جهود لخدمة الحياة البشرية Francis Bacon توسيع حدود المعرفة بما يتسق والقيم الفكرية Newton Isaac توسيع حدود المعرفة بما يتسق والحاجات الاجتماعية Jefferson المعرفة العلمية هي ليست لخدمة البشرية فقط بل لتحويل المخاطر بعيداً عنها Joseph Rotblat

المعرفة العلمية تستوجب تحمل المسؤولية نظراً لكون نتائج استخدامات العلم لاغراض تدميرية يتحملها من يوفر المعرفة حولها Michael Attieh العلم ثوروي لانه يبدل في الافكار والآراء والبنية المعرفية ذاتها، وهو عملية تعلم مستمرة Claude Bernard العلم هو العملية التراكمية الكونية الوحيدة George Sarton

إزاء هكذا فهم للعلم وتعريف له, تأتي منجزات علمية وتكنولوجية عديدة لتكشف عن الارتباط المفترض بين العلم والمجتمع من بينها : - رفع السن المتوقع للحياة إكتشاف الخريطة الجينية نقل الأعضاء أو زراعة الأعضاء الخلايا الجذعية وإستخداماتها الاستنساخ ثورة الاتصالات والفضاء السيبرني

بالرغم من أن التطور الهائل في العلوم البحتة يحكم العلاقة بين العلوم والمجتمع، إتسمت تلك العلاقة بالبعد والحذر المتبادل عبّر عنها الحائز على جائزة نوبل للفيزياء العالم Richard Feynman بالملاحظات الآتية :- .../...

يتوقع الجمهور من العلم إجابات واضحة حول مسائل كونية لا تزال محاطة بالكثير من الغموض يفضل الجمهور الاستكانة إلى معرفة أصبحت من الماضي على المغامرة في إستطلاع مستقبل غامض يبحث الجمهور عن حلول سريعة لمشاكل ملحة قائمة ومستجدة في حين أن البحث العلمي يستغرق وقتاً ويتطلب جهوداً كبيرة ومكلفة يتضح ان العلم هو تاريخ من المحاولات والإخفاقات وليس فقط اختراعات واكتشافات كما يودّ الجمهور لها أن تكون تبدو لغة العلم مستعصية على الفهم السريع, والجمهور يريد لغة مبسطة وأمثلة واضحة ومثيرة .../...

قادت الأبحاث العلمية إلى إنجازات عديدة صبّت في خير الإنسانية ورفاهيتها ولكنها أيضاً استحدثت الكثير من المخاطر منها : - التردي البيئي الإفراط في استهلاك الموارد الطبيعية المزيد من إنتاج أسلحة الدمار الشامل ازدياد تمركز الثروة أوصلت جميعها إلى عدم توازن اجتماعي الكثير من التهميش والفقر التحدي للعديد مما هو قائم من قيم اجتماعية ودينية وثقافية للمجتمعات المتنوعة

إن التحديات الرئيسة التي على مجتمعات اليوم التصدي لها ومعالجتها عديدة منها:- الفقر الأمية الأمراض المستعصية التدهور البيئي مصادر الطاقة غير المستديمة التدهور الامني

إن قصور العلم عن الإتيان بمنافع للمتضررين من مضاعفات تلك التحديات في العقود الأخيرة يعود إلى : انشغال العلماء عن الحاجات المباشرة لتلك المجموعات من الناس انهماك التطبيقيين في المكاسب السريعة Freeman Dyson

من المؤكد أن المعرفة العلمية المتنامية ستكون القوة الأكثر تأثيراً في القرن المقبل كما كانت في المئة سنة السابقة وستكون المشكّل الرئيس لطرق التفكير وطرق العيش ولكن ليس بمعزل عن التعاون الدولي ولا عن فعاليات المجتمع

أ – الطابع الدولي للعلوم لجهة : ان فرضية الحاجة الى تعاون دولي للحصول على مفاعيل ايجابية للعلوم تدعمها الامور الآتية : أ – الطابع الدولي للعلوم لجهة : - تعدد مصادر المعلومات بتعدد فروع العلم - تعدد الامتدادات عبر الترجمة وانتقال العلماء واحتكاك من يتعاطون العلم من ثقافات متعددة - اتساع الرقعة الجغرافية التي يمارس عليها العلم وتقنياته ب - التحديات العلمية تحمل طابعاً إنسانياً شمولياً وتطال مجتمعات باسرها (مثل الانحباس الحراري, انتشار المواد النووية,الاتجار بالمخدرات والسلاح … الخ ) .../...

ج - إن التنمية الشاملة والمتسعة هي تحد عالمي وليست مقتصرة على جهود مجموعة واحدة من الدول بل تتطلب عملاً متعدد الاوجه على المجتمع الدولي مجتمعاً أن يقوم به د - إن التحدي الذي يواجه المجتمع العالمي باسره هو تحقيق التنمية المستدامة وذلك يتطلب سياسات متداخلة ومتكاملة عابرة للحدود تعمل على تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الانسانية الشاملة

ان الواقع الحالي للتعاون الدولي يحتاج الى الكثير من التعزيز : لا يمكن الحديث عن عالمية انتشار العلوم عندما يكون هناك 120 دولة قوامها ¾ سكان العالم غير مشاركة في الثورة العلمية ظاهرة الاوراق العلمية التي يتشارك في إعدادها علماء من بلدان عدة ما زالت ضعيفة وأن سهلت القيام بها وسائط الاتصال الحديثة

ان فرضية الحاجة الى ارتباط العلم بالمجتمع تزداد وثوقاً نظراً للآتي : هناك حاجة إلى التزام قوى العلماء برفاهية المجتمع وسلامته وامنه وتنميته المستدامه، لاجيال الحاضر والمستقبل، والحفاظ على كرامة الانسان وحقوقه في المقابل هناك حاجة إلى التزام المجتمع بالعلم طريقاً إلى عالم أكثر ازدهاراً وعدالـة

يتضح ان أهم عنصر من عناصر ارتباط العلم بالتعاون الدولي وبالمجتمع هم العلماء انفسهم بما يصفهم به العالم Lane Neal بانهم العلماء المواطنون الكونيون The global Citizen Scientists فهم الذين يشكلون جسر تواصل بين المعرفة الحديثة من جهة والحاجات المجتمعية الوطنية والدولية من جهة اخرى وهم الذين يخرجون من حصون مؤسساتهم التعليمية والبحثية للتحاور مع فعاليات المجتمع ليتفهم الجمهور العلوم وغاياته وليتفهم العلماء حاجات المجتمع وهواجسه

إن الحديث عن ارتباط العلم بالمجتمع ووجود التزامات متبادلة يفترض علاقة تعاقدية أو ما يسمى بالعقد الاجتماعي للعلم

جرى التداول بطرح ”العقد الاجتماعي للعلم“ بمناسبة إنعقاد المؤتمرالدولي للعلوم الذي نظمته اليونسكو في بودابست في العام 1999

يتميز العقد الاجتماعي للعلم عن العقد الاجتماعي المتعارف عليه والذي ساد مفهومه في القرن الثامن عشر إن الاخير شكّل آلية مثلى للعلاقات السياسية والانسانية بين البشر، في حين أن العقد الاجتماعي للعلم يستوجب على طرفي التعاقد الالتزام بجملة مسؤوليات تقع في إطار دائرة التقاطع بين الشؤون العلمية من جهة وقضايا المجتمع من جهة اخرى

التزامات العلم تجاه المجتمع على المجتمع العلمي أن يتخطى الانتماءات الدينية والعرقية والايدولوجية ليعزز الوحدة الانسانية والمعنوية والفكرية للبشر والتي تشكل أساساً لتفهم الآخر واحترامه والتعاون معه والتي تشكل استطرادا قواعد ثقافة السلام على المجتمع العلمي أن يلزم نفسه بمعايير اخلاقية مبنية على قيم ومبادىء تنص عليها شرعة حقوق الانسان على العلماء العمل على كشف حقائق المعرفة العلمية الرصينة باعتبارها ضرورة لتحقيق كامل الطاقات المجتمعية وللاستجابة إلى حاجات المجتمع الانساني باسره .../...

على العلماء الالتزام بمستوى عال من الصدقية والجودة في الاداء على العلماء تشاطر المعرفة مع الآخرين ونقل المعرفة إلى الجيل الجديد على المجتمع العلمي التوجه إلى الجماهير ليكون هناك إدراك أوسع لمفهوم العلم وتطبيقاته على المجتمع العلمي ان يبني علاقة مع اشكال المعرفة التقليدية والحديثة باعتبار الارث العلمي مرتكز على خلفيات ثقافية متنوعة ومتعددة .../ ...

على المجتمع العلمي الالتفات الى : ازالة الالتباس القائم بشأن العلم الحديث والعلم الغربي Needham Question فالعلم عالمي بجوهره وينهل من منابع ثقافية مختلفة التأكيد على ان تطور العلم هو سيرورة من التفاعل العلمي لا خاتمة له ويعبر عن توق مجتمعات العالم باتجاه كونية حقة

التزامات المجتمع تجاه العلم توفير المناخات المؤاتية والظروف الملائمة للبحث العلمي توفير التمويل اللازم للبحث العلمي من قبل القطاعين العام والخاص توفير الانتقال الحر للعلماء احترام حقوق الملكية الفكرية مع السعي الدائم لتوسيع أطر ومساحات الحق العام . اتاحة الفرص العادلة امام جميع المواطنين للمشاركة في النشاط العلمي, مع الادراك الكبير أن أفضل السبل الى ذلك هو انتهاج المسار التربوي وتوفير الدعم الكامل له

تعتبر التربية العلمية والتكنولوجية الوسيلة الافعل لاختصار المسافة التي تفصل بين العلم والمجتمع لما للتربية من دور في تشكيل ذهنية الفرد ومواقفه العامة

التحديات التي تعيق دور التربية في نشر المعرفة والثقافة العلمية: ارتفاع نسب الامية والبطالة في العديد من الدول التي تعاني نقصاً في إنتشار الوعي العلمي تباطؤ المنظومة التربية في استيعاب المتغيرات العلمية والتقنية تخلّف نظم تربوية في العديد من الدول عن التوجه صوب التحليل والابداع والتركيز على جودة التعليم واستمراريته .../...

تدني فعالية المناهج التربوية في بناء عقل علمي منفتح عدم ادخال مفاهيم علمية وتقنية واضحة ضمن الكتب المدرسية نقص المكتبات العامة الغنية بالمؤلفات العلمية والكتاب العلمي المبسط عدم كفاية التعليم اللاصفي لمساندة المناهج في اثارة الوعي المعرفي العلمي قصور جهود البحث العلمي عزوف العلماء عن بذل الجهود اللازمة لاثارة الوعي بالثقافة العلمية خارج المختبرات والمؤتمرات المتخصصة

الاعداد العلمي الكفوء والتدريب المستمر للاساتذة التربية وطرق التعامل مع التحديات القائمة وضع سياسات وبرامج لتربية علمية وتكنولوجية بما ينسجم مع تقدم العلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها تقوية القدرات الوطنية وتمكينها من مجالات تصميم المناهج وتطويرها وتحديث اساليب وطرائق تدريس العلوم على المستويين الجامعي وما قبل الجامعي الاعداد العلمي الكفوء والتدريب المستمر للاساتذة .../...

نشر الثقافة العلمية داخل المجتمع لتقليص الفجوات العلمية والتقانية والمعلوماتية بين شرائح المجتمع خلق رأي عام متعاطف مع الحركة العلمية دون خوف منها أو تقديس لها تهيئة تربة خصبة لانتاج علماء ومهارات وكفاءات قادرة على الممارسة العلمية والابداع الثقافي العلمي تعزيز البعد الاخلاقي في العلوم الذي تحتمه الامانة العلمية وكرامة الانسان وحقوقه .../...

تأصيل مفهوم المجتمع التربوي دائم التعلم الذي يغذي التفكيرالمنهجي والمقاربة النقدية تعزيز انشطة لاصفية لاثارة وعي الجيل الجديد بشأن المعرفة العلمية وبالمبادىء والمفاهيم الاساسية للعلوم ولجعلها في نسيج حياتهم الخاصة والاجتماعية من خلال نوادي العلوم، مسابقات علمية ، مكتبات متطورة، زيارات ميدانية ومنتديات ومقاهي علوم

لماذا ربط العلوم بالمجتمع؟ لان العلم هو الرافعة الحقيقية للمجتمع والمحرك لتطوره والضامن لتنميته المستدامة على المجتمع والعلم ليس فقط توسيع مرامي الملعب المشترك بل أيضاً تغيير قواعد اللعبة

شكراً RASIT

المراجع : - " تاريخ العلوم العربية التفاعل العلمي بين الثقافات " اصدار مشترك اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسو) والجمعية اللبنانية للعلوم العربية , بيروت 2007 - ” النشرة الاعلانية الدولية لليونسكو عن التربية العلمية والتكنولوجية والبيئة " المجلد 31 – العدد 1 – 2, 2006 , باريس 2006 - " استراتيجية نشر الثقافة العلمية والتقانية في الوطن العربي " اصدار مشترك المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( الالكسو ) وجمعية الدعوة الاسلامية العالمية, تونس 2006 -" وقائع المؤتمر الدولي تعليم العلوم في الجامعات التحديات وآفاق المستقبل " إصدار اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو , بيروت , نوفمبر 2005 World Conference on Science - “Science for the twenty first Century, a new Commitment” Unesco publication, Paris 2000