المبحث الأول/ مفهوم التخلف الفصل الأول مفهوم التخلف وخصائصه المبحث الأول/ مفهوم التخلف. المبحث الثاني/ خصائص التخلف. المبحث الأول/ مفهوم التخلف هناك عدة تعريفات للدول التي تعاني من ظاهرة التخلف، ولعل أهم هذه التعريفات وفقاً لتسلسلها التاريخي – يتمثل فيما يلي:-
الدول المتأخرة Backward Countries: وذلك في مواجهة الدول المتقدمة، ويؤخذ على هذا التعريف أنه لا يقتصر على التأخر الاقتصادي والتكنولوجي فحسب، بل يتضمن –أيضاً- التأخر الحضاري والاجتماعي، ولذا فقد كان استخدامه جارحاً لشعور حكومات وشعوب هذه الدول، وخاصة من كان منها مهداً لحضارة عريقة وحملت مشاعل التقدم والمدنية لقرون طويلة.
الدول المتخلفة Under Developed Countries: هذا التعريف ليس أجمل من سابقة لأنه ينطوي أيضاً على التخلف الحضاري والاجتماعي لهذه الدول. هذا التعريف لا يميز كذلك بين الدرجات المختلفة من التخلف، حيث يوجد دول حققت قدراً من النمو، ودول أخرى ما زالت في حالة ركود كلي أو شبه كلي. يوحي كذلك هذا التعريف أن التقدم له نهاية قد بلغته الدول المتقدمة.
الدول الأقل تقدماً The Less Developed Countries: يؤخذ على هذا التعريف أنه يعني أن جميع دول العالم تعيش في درجات متفاوتة من التقدم وهذا غير صحيح، لأنه يوجد دول تعيش في حالة ركود أو في حالة ركود أو في حالة جمود، ودول أخرى تعيش في حالة تقهقر. الدول النامية Developing Countries: هذا التعريف يرضي مشاعر الشعوب الرازحة تحت التخلف. يؤخذ عليه أنه لا يعبر بصدق عن حقيقة الأوضاع في كثير من الدول التي تكون في حالة ركود. كذلك صفة النمو لا تقتصر على تلك الدول المتخلفة فقط، لأن الدول المتقدمة تنمو أيضاً.
الدول الفقيرة Poor Countries: يقابله على الجانب الآخر الدول الغنية. هذا التعريف يتميز بالحياد من الناحية العلمية لأنه يركز على الجانب المادي والاقتصادي دون الجانب الاجتماعي والحضاري لهذه الدول. يؤخذ على هذا التعريف أنه يدرج دولاً غنية بمواردها الطبيعية مثل الدول النفطية ضمن مجموعة الدول المتقدمة وهذا غير صحيح. دول العالم الثالث The Third World: وهو مصطلح يغلب عليه الطابع السياسي أكثر من الطابع الاقتصادي، حيث يشير إلى مجموعة من الدول تأتي في المرتبة الثالثة بعد كل من الدول الرأسمالية المتقدمة التي تحتل المرتبة الأولى، والدول الاشتراكية التي كانت تحتل المرتبة الثانية.
عدد الدول المتخلفة أو النامية: طبقاً لبيانات الأمم المتحدة يبلغ عدد الدول النامية 160 دولة، وهي دول تقع في قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وتصنف هذه الدول إلى أربع مجموعات رئيسية وهي: الدول النامية حديثة العهد بالتصنيع وعددها 11 دولة. الدول النامية الغنية (دول منظمة الأوبك) وعددها 13 دولة. الدول النامية متوسطة الدخل وعددها 73 دولة. الدول النامية منخفضة الدخل وعددها 63 دولة. المجموع 160 دولة
بالرغم من تعدد التعريفات أو المصطلحات للتخلف الاقتصادي، إلا أن هناك اتفاقاً بين هذه التعريفات في أن الدول المتخلفة هي تلك الدول التي تعاني من انخفاض مستويات الدخول والمعيشة لغالبية سكانها وانخفاض مستويات الاستهلاك. انتشار الفقر المزمن وتخلف طرق الإنتاج والتنظيم الاجتماعي. ويترتب على ذلك آثار سلبية منها: عدم قدرة الدولة على استخدام جزء من مواردها البشرية والمادية الاستخدام الأمثل والكامل. زيادة عدد السكان بمعدل أكبر من معدل زيادة الإنتاج وهذا يعني انخفاض مستويات الدخول والمعيشة للأفراد.
المفهوم الحديث للتخلف: ارتكز الفكر الحديث للتخلف على أن التخلف ليس ظاهرة اقتصادية فقط، لكنه ظاهرة متعددة الجوانب، فهو يحتوي على جوانب اقتصادية واجتماعية وإنسانية، وحسب هذا المفهوم فإن التخلف يعني ما يلي:- الفقر والبطالة وعدم المساواة. سوء التغذية والمسكن غير الملائم وسوء الحالة التعليمية. المرض والوفاة في سن مبكرة. الشعور بالعجز الشخصي والجماعي في مواجهة الفقر والمرض والوفاة.
ضرورة محاربة التخلف: نص ميثاق الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية على ضرورة رفع مستويات المعيشة وتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لمختلف شعوب العالم. وهذا يتطلب قيام الدول المتقدمة والهيئات الدولية بتقديم المعونات والمنح والمساعدات والقروض بصورة مباشرة وغير مباشرة، إلا أنها كما سنرى في الفصول القادمة، غير كافية وغير دائمة وعادة ما تخضع لاعتبارات سياسية تحد من فائدتها.
المبحث الثاني: خصائص التخلف. تشترك الدول النامية في مجموعة من الخصائص العامة تعبر عن حالة التخلف التي تعيشها هذه الدول مقارنة بمجموعة الدول المتقدمة، وتنقسم هذه الخصائص إلى قسمين هما: الخصائص الاقتصادية، والخصائص الاجتماعية. أولاً: الخصائص الاقتصادية: وتشمل هذه الخصائص ما يلي: انخفاض مستويات المعيشة: يمكن قياس انخفاض مستويات المعيشة في الدول النامية وفقاً لأسلوبين: الأسلوب الأول: كمي: متمثلاً في صورة انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي. متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي = الدخل القومي عدد السكان
مثال: متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي = 20 مليار دولار = 4000 دولار. 5 مليون نسمة وتعتبر المعادلة السابقة من أهم المعادلات لقياس مستوى المعيشة في الدولة وللمقارنة بين الدول من ناحية الرفاهية الاقتصادية.
الأسلوب الثاني/ كيفي، متمثلاً في صورة انخفاض مستوى التعليم وانتشار الأمية وانخفاض المستوى الصحي والغذائي والسكن غير الملائم ... الخ. وسوف يتم التركيز هنا على الأسلوب الكمي لانخفاض مستويات المعيشة مرجئين الأسلوب الكيفي إلى دراسة الخصائص الاجتماعية للتخلف فيما بعد. ويتم قياس انخفاض مستويات المعيشة كمياً في الدول النامية من خلال ثلاثة معايير هي: المعيار الأول/ انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي الحقيقي. المعيار الثاني/ انخفاض معدل نمو متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي. المعيار الثالث/ سوء توزيع الدخل القومي.
المعيار الأول/ انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي الحقيقي: قام البنك الدولي في عام 2003 بتقسيم دول العالم وفقاً لمتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي إلى ثلاث مجموعات هي: مجموعة الدول ذات الدخل المرتفع: وهي تلك الدول التي يزيد متوسط نصيب الفرد من الدخل فيها عن 9205 دولار سنوياً. مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط: وهي التي يتراوح متوسط نصيب الفرد من الدخل فيها بين 746 دولار إلى 9205 دولار سنوياً. مجموعة الدول ذات الدخل المنخفض: وهي تلك الدول التي يقل متوسط نصيب الفرد من الدخل فيها عن 746 دولار سنوياً.
وقد بلغ إجمالي الدخل القومي العالمي في عام 2001 حوالي 31 وقد بلغ إجمالي الدخل القومي العالمي في عام 2001 حوالي 31.5 تريليون دولار (31500 مليار دولار)، تحقق منه حوالي 25.5 تريليون دولار في الدول ذات الدخل المرتفع بما يمثل 81% من الدخل القومي العالمي، وأن حوالي 6 تريليون دولار تحققت في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض بما يمثل حوالي 19% من الدخل القومي العالمي. وإذا أخذنا عدد السكان في الاعتبار والمقدر بحوالي 6.1 مليار نسمة يقطن منهم حوالي مليار نسمة في الدول المتقدمة، 5.2 مليار نسمة في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، وهذا يعني أن حوالي 16% من سكان العالم يحصلون على حوالي 81% من الدخل القومي العالمي بما يمثل 70 دولار يومياً، وأن 84% من سكان العالم يحصلون على حوالي 19% من الدخل القومي العالمي وبالتالي يعيشون في حالة من التخلف والفقر. ويتلقى ثلاثة أخماس شعوب العالم في أفقر 61 دولة حوالي 6% من الدخل القومي العالمي أي فيما يقل عن 2 دولار في اليوم.
ويمكن تلخيص العمليات السابقة في الجدول التالي رقم (1-1): البيان الدول ذات الدخل المرتفع الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل يزيد عن 9205 دولار في الدول ذات الدخل المتوسط يتراوح بين 746-9205 دولار، في الدول ذات الدخل المنخفض يقل عن 746 دولار. الدخل القومي العالمي في عام 2001 = 31.5 تريليون دولار نصيبها 25.5 تريليون دولار بما يعادل 81% من الدخل العالمي نصيبها 6 تريليون دولار بما يعادل 19% من الدخل القومي العالمي عدد سكان العالم = 6.1 مليار نسمة عدد سكانها مليار نسمة بما يعادل 16% من سكان العالم عدد سكانها 5.1 مليار نسمة بما يعادل 84%من سكان العالم سنوياً = 25500 دولار شهرياً= 2125 دولار يومياً= 70.8 دولار سنوياً= 1176 دولار شهرياً= 98 دولار يومياً= 3 دولار
كذلك توضح بيانات الجدول رقم (1-2) متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في عام 2001 حيث يتضح من هذا الجدول وجود تفاوت كبير في مستويات الدخول فيما بين الدول النامية والدول المتقدمة.
متوسط معد النمو السنوي في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي خلال جدول رقم (1-2) متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في عام 2001، ومتوسط معدل النمو السنوي خلال الفترة (1990-2001) في بعض الدول النامية والدول المتقدمة. البيان الدولة متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في عام 2001 (دولار أمريكي) متوسط معد النمو السنوي في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي خلال الفترة (1990-2001) (%) الدول ذات الدخل المرتفع سويسرا. الولايات المتحدة الأمريكية. اليابان. 26710 36970 34870 35990 1.8 0.3 2.3 1.0 الدول ذات الدخل المتوسط: مصر. سوريا. كولومبيا. 1505 1530 1000 1910 2.0 2.4 3.4 1.2 الدول ذات الدخل المنخفض: أثيوبيا. بنجلادش. رواندا. 430 110 370 220 1.4 2.6 3.1 المصدر/ البنك الدولي، تقرير التنمية في العالم لعام 2003.
يلاحظ من الجدول (1-2) ما يلي: أن متوسط دخل الفرد في الدول ذات الدخل المرتفع يعادل حوالي 18 ضعف متوسط الدخل في الدول متوسطة الدخل وحوالي 26 ضعف متوسط دخل الفرد في الدول ذات الدخل المنخفض. أغنى دول العالم هي، سويسرا، وأفقر دول العالم هي أثيوبيا أي أن متوسط دخل الفرد في سويسرا يعادل 226 ضعف متوسط دخل الفرد في أثيوبيا. متوسط دخل الفرد في كل من سويسرا والولايات المتحدة على التوالي يعادل 24، 23 ضعف متوسط الدخل للفرد في مصر. ويتضح مما سبق وجود فجوة دخلية كبيرة بين مستويات الدخول في الدول المتقدمة والدول النامية.
المعيار الثاني/ انخفاض معدل نمو متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي. تعاني معظم الدول النامية ليس من انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي فحسب، بل تعاني كذلك من انخفاض متوسط معدل نمو نصيب الفرد من الدخل القومي مما يؤدي في النهاية إلى زيادة حدة الفجوة الدخلية فيما بين الدول النامية والدول المتقدمة مع مرور الزمن. وبمراجعة بيانات جدول رقم (1-2) نلاحظ انخفاض معدل نمو متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض. ورغم ارتفاع معدل النمو الذي تحقق في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في الدول النامية متوسطة الدخل وبعض الدول النامية منخفضة الدخل مقارنة بما تحقق في الدول ذات الدخل المرتفع إلا أن ذلك يرجع إلى أن معدل النمو في الدول النامية بصفة عامة قد بدأ من قيم منخفضة، ولذا فإن معدلات النمو المحققة في الدخل القومي لا تكفي بأي حال للحد من الفجوة الدخلية.
جدول رقم (1-3) يوضح الفجوة الدخلية بين الدول المتقدمة ويلاحظ أن الفجوة الدخلية بين الدول المتقدمة والدول النامية تزداد اتساعاً بمرور الوقت، كما يتضح من الجدول رقم (1-3). جدول رقم (1-3) يوضح الفجوة الدخلية بين الدول المتقدمة والدول النامية لعدة سنوات وفقاً لبيانات صادرة عن الأمم المتحدة السنوات الفجوة الدخلية بين الدول المتقدمة والدول النامية متوسطة ومنخفضة الدخل 1981 1993 2001 1-14 1-21 1-27.6 أي أن متوسط نصيب الفرد في الدول المتقدمة يعادل حوالي 14،21،27.6 ضعف متوسط دخل الفرد في الدول النامية كمجموعة من السنوات الثالثة سالفة الذكر.
المعيار الثالث/ سوء توزيع الدخل القومي: يقصد بسوء توزيع الدخل في المجتمع أن نسبة صغيرة من أفراد المجتمع تستحوذ على الجانب الأكبر من الدخل، بينما توزع نسبة صغيرة من الدخل على السواد الأعظم من أفراد هذا المجتمع، مما يعني وجود فجوة كبيرة بين دخول الأغنياء ودخول الفقراء داخل المجتمع الواحد. توجد مقاييس مختلفة لقياس درجة عدم العدالة في توزيع الدخل منها: منحنى لورنز، ومعامل جيني، والتوزيع الخميسي، وسوف يتم التطرق إليها في فصل لاحق إن شاء الله.
لا يوجد ارتباط واضح بين مستويات الدخول في الدول المختلفة وسوء توزيع الدخل، فعلى سبيل المثال لو قارنا نصيب أفقر 40% من السكان، وبنصيب أغنى 20% من السكان كمقياس لعدم العدالة في توزيع الدخول نجد ما يلي: هناك دول مثل البرازيل والمكسيك وبيرو وإكوادور تعاني من درجة كبيرة من عدم العدالة. هناك دول مثل الهند وتنزانيا وفرنسا وألمانيا ومصر بها درجة مقبولة من عدم العدالة. هناك دول مثل تايوان وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بها درجة منخفضة من عدم العدالة.
نلاحظ مما سبق، أنه على الرغم من أن معظم دول العالم يوجد بها درجة من عدم العدالة، إلا أن هذه الظاهرة أوضح ما تكون من الدول النامية، حيث يميل نمط توزيع الدخل في هذه الدول لصالح الطبقات الغنية، ويمثل دخل الطبقات الغنية في هذه المجتمعات، التي تمثل 10% من السكان على نحو أكثر من 5-10 أضعاف الدخل الذي يخص أفقر 40% من السكان.
الاعتماد الشديد على النشاط الزراعي: تعتمد معظم الدول النامية على النشاط الزراعي كمصدر أساسي في توليد الناتج المحلي الإجمالي، واستيعاب الجزء الأكبر من العمالة في هذه الدول، حيث يشكل الناتج المحلي الإجمالي المتولد من القطاع الزراعي حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي من الدول النامية بصفة عامة، كما يستوعب القطاع الزراعي ما يفوق 50% من القوة العاملة في هذه الدول، فوفقاً لبيانات عام 1993م، مثل الناتج الزراعي حوالي 37% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول النامية منخفضة الدخل، و 12% من الدول النامية متوسطة الدخل، في مقابل 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة.
هيكل الإنتاج والعمالة في عدد من الدول في عام 2002 وتوضح بيانات الجدول رقم (1-4) هيكل الإنتاج والعمالة في عدد من الدول المتقدمة والنامية في عام 2002. جدول رقم (1-4) هيكل الإنتاج والعمالة في عدد من الدول في عام 2002 إنتاج القطاع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي % نسبة العمالة من القطاع كنسبة من القوة العاملة %الخدمات الزراعة الصناعة الخدمات الدول ذات الدخل المرتفع سويسرا. الولايات المتحدة الأمريكية. اليابان. 2 1 27 23 31 71 72 75 68 3.7 4.2 2.1 5 26.3 26.6 27.8 30.3 70.0 69.2 75.2 63.7 الدول ذات الدخل المتوسط: مصر. كولومبيا. ناميبيا. 10 17 14 11 34 33 30 56 50 58 25 30.7 22.8 31.4 19.4 18.2 12.9 51 49.9 58.9 54.7 الدول ذات الدخل المنخفض: بنجلادش. كمبوديا. باكستان. 24 36 26 28 46 54 62.5 63.4 70.4 52.6 11.5 10.2 10.5 16.8 22.4 18.9 30.6 المصدر: World Bank, World Development Indicators, 2004.
يتضح من الجدول (1-4) تزايد اعتماد الدول النامية على النشاط الزراعي كمصدر للناتج ولإستيعاب القوة العاملة، ويصاحب التقدم الاقتصادي تزايد نشاط الصناعة التحويلية ونشاط الخدمات، مما يؤدي إلى تناقص نصيب القطاع الزراعي في توليد الناتج المحلي وفي استيعاب العمالة. ويرى العديد من الاقتصاديين أن تزايد الاعتماد على النشاط الزراعي كمظهر من مظاهر التخلف أمراً طبيعياً، ففي ظل انخفاض الدخول تكون الأولوية دائماً لإشباع الحاجات الأساسية من غذاء وكساء، ففي ظل الدول منخفضة الدخل يشكل الطلب على الغذاء نحو نصف الطلب الكلي في المجتمع والجانب الأكبر المتبقي من الدخل يوجه نحو المسكن والكساء والخدمات المختلفة والحاجات الأساسية التي توجد أساساً في مجال النشاط الزراعي.
خصائص القطاع الزراعي في الدول النامية: شيوع الملكيات الزراعية الصغيرة. اعتماد الزراعة على الطرق الإنتاجية التقليدية والأدوات البدائية حيث تعتمد الزراعة بصفة أساسية على العمل الأرضي وذلك لندرة رأس المال. عدم إقبال المزارعين على تطبيق نتائج البحوث العلمية لتطوير إنتاجهم لعدم توفر الإمكانات المادية والتنظيمية لديه، ولأن المزارع في الدول النامية تقليدي بطبيعة لا يميل إلى التجديد.
وبمقارنة الوضع في مصر بالوضع في الولايات المتحدة نجد أن الإنتاج الزراعي الذي يقوم بتحقيقه 2.1% من القوة العاملة الأمريكية التي تعمل بالزراعة تكفي لسد حاجة الشعب الأمريكي من الغذاء مع تحقيق فائض يتيح لها أن تكون أكبر مصدر للمواد الغذائية، وبعض المنتجات الأولية الزراعية مثل القطن والدخان والبذور الزيتية في العالم، بينما يصل في مصر نحو 31% من القوة العاملة في الزراعة ولا توفر هذه القوة العاملة إلا ما يعادل فقط نصف احتياجاتها من الغذاء وتضطر إلى استيراد جزء كبير من حاجتها الغذائية من الخارج، ويعكس ذلك ارتفاع مستوى إنتاجية العامل في الولايات المتحدة مقارنة بإنتاجية العامل في مصر.
انخفاض إنتاجية عنصر العمل: تعاني الدول النامية – بصفة عامة- من انخفاض كبير في الانتاجية المتوسطة لعنصر العمل مقارنة بنظيرتها في الدول المتقدمة. الإنتاجية المتوسطة لعنصر العمل = الناتج الكلي عدد العمال وفقاً لبيانات عام 2002م كان متوسط انتاجية العامل في الدول المتقدمة حوالي 59000 دولار في حين كان متوسط انتاجية العامل في الدول النامية حوالي 3200 دولار أي أن متوسط انتاجية العامل في الدول المتقدمة يعادل 18.4 ضعف متوسط انتاجية العامل في الدول النامية ككل وفي أمريكا وسويسرا على سبيل المثال كان متوسط انتاجية العامل حوالي 74300، 70600 دولار على التوالي، بينما كان متوسط انتاجية العامل في كل من كولومبيا ومصر وكمبوديا 5100، 3800، 620 دولار على التوالي في العام نفسه.
أسباب انخفاض انتاجية عنصر العمل في الدول النامية: أ- انخفاض متوسط نصيب الفرد من رأس المال العيني. تعاني معظم الدول النامية من ندرة نسبية كبيرة في عنصر رأس المال العيني، الذي يمثل الطاقة الانتاجية الحقيقية في المجتمع، وينقسم رأس المال العيني إلى نوعين: النوع الأول: رأس المال الإنتاجي: ويتمثل في المعدات والآلات والأدوات التي تستخدم في عمليات الإنتاج، وتسهم بصورة مباشرة في العمليات الإنتاجية. النوع الثاني: رأس المال الاجتماعي: ويتمثل في البنية الأساسية في المجتمع من شبكات الطرق والجسور والكهرباء والصرف الصحي والمدارس والمستشفيات التي تسهم بصورة غير مباشرة في العمليات الإنتاجية.
ويترتب على الندرة النسبية لعنصر رأس المال ما يلي: استخدام الطرق الإنتاجية التقليدية في القطاعين الزراعي والصناعي والتي تحتاج إلى رأس مال قليل وتكنولوجيا محدودة. انتشار المشروعات صغيرة الحجم التي تستخدم عشر عمال أو أقل. الاعتماد على الطرق الإنتاجية كثيفة العمالة وقليلة رأس المال. وتسعى الدول النامية بصورة مستمرة إلى زيادة رصيد رأس المال بزيادة حجم الاستثمار كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي. وقد ارتفعت الاستثمارات السنوية في الدول النامية كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي من 19% خلال الستينات إلى 28% في نهاية الثمانينات، ووصلت إلى 30% في عام 1993.
ب- قصور الخبرات الإدارية والتنظيمية: من أجل القيام بعملية نمو اقتصادي حقيقية لا بد من توفر طبقة من المنظمين الأكفاء، تتوفر لديهم روح المغامرة والرغبة في تنفيذ استثمارات طويلة الأجل التي تحقق إنتاجاً كبيراً وأرباحاً مرتفعة. وتعاني الدول النامية من نقص شديد في هذه الطبقة، حيث يسعى المستثمرون في هذه الدول إلى الربح السريع، واللجوء إلى الاستثمارات قصيرة الأجل في النشاط التجاري والخدمي، التي لا تنطوي على درجة عالية من المخاطرة.
ج- الاعتماد المتزايد على النشاط الزراعي: حيث تعتمد الدول النامية بصورة كبيرة على النشاط الزراعي كمصدر أساسي في توليد الناتج وفي استيعاب الجزء الأكبر من العمالة، وقد تم توضيح ذلك في الخصيصة الثانية سالفة الذكر. وتسود البطالة المقنعة في القطاع الزراعي بسبب سيادة نظام العائلة الممتدة في الريف وما يترتب على ذلك من انخفاض الإنتاجية المتوسطة للأفراد العاملين في القطاع الزراعي بصورة كبيرة، بينما تكون الإنتاجية الحدية صفر أو قد تكون سالبة، وهذا ما يعرف بسريان قانون تناقص الغلة (زيادة في عنصر العمل مع ثبات عناصر الإنتاج المكملة كالأرض أو رأس المال أو الخبرات الفنية).
د- انخفاض مستوى التعليم والتدريب أو ما يسمى برأس المال البشري: تعاني الدول النامية من ضعف إمكانيات التدريب مما يحد من توافر الكفاءات الإدارية والتنظيمية والعمالة المدربة والماهرة وكل ذلك يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية المتوسطة لعنصر العمل بها. هـ - انخفاض المستوى الصحي والغذائي: يوجد ارتباطاً قوياً بين الحالة الصحية للشخص وإنتاجيته، حيث أن سوء التغذية في الطفولة يقيد النمو الذهني والجسماني للأفراد، كما أن عدم كفاية الغذاء وعاداته السيئة وانخفاض مستويات الصحة العامة في السنوات التالية، تسبب تدهوراً في صحة العامل وتضعف من قدرته على العمل والانتظام فيه مما يسبب في انخفاض إنتاجية عنصر العمل.
4- ارتفاع معدلات البطالة: تتمثل البطالة في وجود أشخاص في مجتمع معين قادرين على العمل ومؤهلين له – بالنوع والمستوى المطلوبين- وراغبين فيه، وباحثين عنه، وموافقين على الولوج فيه في ظل الأجور السائدة ولا يجدونه خلال فترة زمنية معينة. وتقاس البطالة في العادة بما يسمى بمعدل البطالة Unemployment Rate. معدل البطالة = عدد العاطلين عن العمل X 100 إجمالي القوة العاملة إجمالي القوة العاملة = حجم العمالة + حجم البطالة. والقوة العاملة من السكان هم جميع القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه ويتم في العادة استبعاد الأطفال دون سن العمل وكبار السن والمتقاعدين والعاجزين وربات البيوت غير الراغبات في العمل والطلاب بأنواعهم. تعاني الدول النامية وكذلك الدول المتقدمة من وجود ظاهرة البطالة، إلا أن هناك اختلافاً بين شكل البطالة وأسبابها في كل من الدول المتقدمة والدول النامية.
أولاً: أسباب انتشار ظاهرة البطالة في الدول المتقدمة (أنواع البطالة في الدول المتقدمة): أ- التقلبات الدورية في النشاط الاقتصادي: ويترتب على ذلك ما يعرف باسم البطالة الدورية بسبب تعاقب دورات الكساد والرواج على الاقتصاديات الرأسمالية، ففي فترات الرواج يزداد الطلب الكلي، وتقل معدلات البطالة ويحدث العكس في فترات الكساد. ب- التقدم التكنولوجي: ويترتب على ذلك ظهور ما يعرف بالبطالة الاحتكاكية حيث يتم الاستغناء عن العمالة بصورة مؤقتة لعدم قدرتهم على التعامل مع التكنولوجيا الجديدة، ويتم القضاء على هذا النوع من البطالة عن طريق إعادة تدريب العمال وتأهيلهم للعمل في مجالات أخرى أو في المجالات الجديدة.
ج- السياسات الاقتصادية: فمثلاً في أوقات التضخم الاقتصادي يتم اتباع سياسات مالية ونقدية انكماشية لعلاج التضخم مثل تقليل الإنفاق العام وزيادة الضرائب ورفع أسعار الفائدة حيث يترتب على ذلك نقص فرص العمل وانتشار البطالة. التناسب بين عرض العمل وعرض عناصر الإنتاج الأخرى يجعل معالجة البطالة في الدول المتقدمة تتم بصورة أسهل وفي فترة زمنية أقصر من خلال التأثير على جانب الطلب الكلي في الاقتصاد، ووفقاً لبيانات عام 2002 تصل معدلات البطالة في الدول المتقدمة مرتفعة الدخل إلى 6.2%، وتكون هذه المعدلات في كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان 5.8%، 5.4% على الترتيب.
ثانياً: أسباب انتشار ظاهرة البطالة في الدول النامية (أنواع البطالة في الدول النامية): البطالة في الدول النامية هي بطالة هيكلية تنشأ بسبب عدم التناسب بين عنصر العمل وباقي عناصر الإنتاج الأخرى، ويؤدي ذلك إلى شكلين من أشكال البطالة وهما: البطالة السافرة: بسبب عدم توفر فرص العمل الكافية لاستيعاب فائض عرض العمل في كافة القطاعات في ظل الزيادة المستمرة في سكان الدول النامية. وقد تراوحت نسبة البطالة ما بين 10%-31% من قوة العمل خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي في الدول النامية منخفضة ومتوسطة الدخل، باستثناء عدد محدود من الدول التي حققت تقدماً اقتصادياً ملحوظاً، فقد بلغت هذه النسبة 4% في كوريا، 6% في الأرجنتين. وتتركز البطالة السافرة بين فئة الشباب وخاصة المتعلمين أي في الفئة العمرية (15-24) عاماً. وقد وصل معدل البطالة على سبيل المثال في كولومبيا إلى حوالي 18% من قوة العمل في عام 2002.
ب- البطالة المقنعة: وهي التحاق أشخاص بوظائف معينة يتقاضون عليها أجوراً بالرغم من أنهم لا يساهمون في الإنتاج على الإطلاق، فمثلاً وظيفة معينة تحتاج إلى موظف واحد فقط ويتم توظيف ثلاث أشخاص فيها، ومن ثم اثنين منهم يعانون من بطالة مقنعة، وهم يمثلون عمالة يمكن سحبها من مواقع الإنتاج دون تأثر الكمية المنتجة، وتزداد البطالة المقنعة ظهوراً وانتشاراً في الدول النامية والتي تعاني من حجم سكاني كبير وجهاز حكومي ضخم. وتمثل البطالة المقنعة أخطر أنواع البطالة لأنه من الصعب حصرها، إذ أنه في ظلها يكون الأفراد ظاهرياً يعملون وإن كانوا لا يضيفون كثيراً إلى الإنتاج، حيث أن الإنتاجية الحدية تكاد تكون صفراً. أسباب البطالة المقنعة تتناسب مع طبيعة الدول النامية حيث يكون الوزن النسبي للقطاع الصناعي محدود وقدرته على امتصاص العمالة ضعيفة. لذلك تنتشر البطالة المقنعة في القطاع الزراعي بسبب الزيادة السكانية في الريف ونظام العائلة الممتدة وكذلك في القطاع العام وقطاع الخدمات والأعمال المتدنية.
5- التبعية الاقتصادية للخارج: تعد التبعية الاقتصادية للخارج من أهم مظاهر التخلف في الدول النامية، وتأخذ هذه التبعية ثلاثة أشكال أساسية هي: التبعية التجارية، التبعية المالية، التبعية التكنولوجية. أ- التبعية التجارية: تعمقت التبعية التجارية باعتماد الدول النامية على تصدير عدد قليل من المنتجات الأولية إلى الدول المتقدمة مقابل استيرادها للمنتجات الصناعية. خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي مثلت المنتجات الأولية (منتجات غذائية ومعادن خام) حوالي 95% من صادرات الدول النامية.
حيث أن ارتفاع نسبة هذا المؤشر يعني زيادة التبعية التجارية للخارج. ويستخدم الاقتصاديون عدداً من المؤشرات التي توضح مدى حدة التبعية التجارية وتطورها عبر الزمن ومن هذه المؤشرات:- (1) مؤشر درجة الإنكشاف الاقتصادي = الصادرات + الواردات X 100 الناتج المحلي الإجمالي حيث أن ارتفاع نسبة هذا المؤشر يعني زيادة التبعية التجارية للخارج. إلا أن ذلك لا يعد دليلاً قاطعاً على تبعية الاقتصاد للخارج بل يجب أن يؤكد ذلك بمؤشرات أخرى، حيث يلاحظ ارتفاع مؤشر الانكشاف الاقتصادي في بعض الدول المتقدمة مثل السويد واليابان وبريطانيا. ومن هذه المؤشرات الأخرى مؤشر التركز السلعي للصادرات ومؤشر التركز الجغرافي للصادرات.
(2) مؤشر التركيز السلعي للصادرات = صادرات السلعتين الرئيسيتين X 100 مجموع الصادرات (3) مؤشر التركز الجغرافي للصادرات = الصادرات إلى أهم دولتين X 100 مجموع الصادرات ارتفاع نسبة المؤشرات الثلاثة السابقة يعني بالتأكيد زيادة التبعية التجارية للخارج. يلاحظ مثلاً ارتفاع مؤشر التركز السلعي للصادرات في الدول النفطية إلى 95% حيث أنها تعتمد على البترول كسلعة أساسية في التصدير. أما مؤشر التركز الجغرافي للصادرات فيجعل الدولة أكثر تأثراً بالقرارات السياسية والاقتصادية للدولة أو الدولتين المستوردة منها.
ظاهرة الثنائية الاقتصادية: التبعية التجارية للخارج أوجدت ظاهرة في الدول النامية هي ظاهرة الثنائية الاقتصادية ونعني بها انقسام الاقتصاد القومي إلى قطاعين:- الأول/ كبير نسبياً وشديد التخلف وهو في العادة زراعي يرتبط بالسوق المحلي ورأس المال المحلي، ويتميز بانخفاض الكفاءة الإنتاجية ومستويات الأجور. الثاني/ صغير نسبياً ومتقدم، وعادة ما يكون صناعياً أو تعدينياً أو تمويلياً أو زراعياً حديثاً، غير أن هذا القطاع يرتبط عادة بالمستعمر ويعتبر جيباً أجنبياً وهو يعتمد على رؤوس الأموال الأجنبية، ويتميز بارتفاع الكفاءة الفنية ومستويات الأجور ولا يرتبط القطاعان السابقان ببعضهما إلا بأضعف الصلات.
مخاطر التبعية التجارية: يترتب على التبعية التجارية للخارج نوعين من المخاطر يتعلق أولهما بالأجل القصير وينصرف ثانيهما إلى الأجل الطويل. الخطر الأول/ ويتمثل بعدم استقرار أسواق المنتجات الأولية وأسعارها وهذا يؤثر على طبيعة الصادرات في الدول النامية ويؤثر على مستوى النشاط الاقتصادي لها. الخطر الثاني/ ويتمثل في تدهور شروط التبادل التجاري في غير صالح الدول النامية أو المنتجات الأولية. ويقاس ذلك وفقاً للعديد من المقاييس منها: شروط التجارة الصافية = الرقم القياسي لأسعار الصادرات X 100 الرقم القياسي لأسعار الواردات ب شروط التجارة الدخلية = الرقم القياسي لقيمة الصادرات X 100 الرقم القياسي لأسعار الواردات
وكلما زادت قيمة هذه المقاييس عن 100 خلال فترة زمنية معينة فإن هذا يدل على تحسن شروط التجارة لصالح الدولة وزيادة مقدرتها الاستيرادية والعكس صحيح. غير أن معظم الدول النامية تعاني من تدهور في شروط التبادل التجاري باستمرار بسبب تراخي الطلب على المنتجات الأولية من قبل الدول الصناعية باستمرار نتيجة للتقدم التكنولوجي ووجود البدائل الصناعية، فضلاً عن انخفاض مرونة الطلب السعرية والدخلية عن تلك المنتجات.
عبء خدمة الديون الخارجية في الدولة = أقساط الديون + الفوائد X 100 ج - التبعية المالية:- تعبر التبعية المالية في الدول النامية عن الوجه النقدي لتبعيتها التجارية، وتتمثل التبعية المالية بزيادة مديونيات الدول النامية، وزيادة عبء هذه الديون ويقاس عبء الديون حسب المعادلة التالية:- عبء خدمة الديون الخارجية في الدولة = أقساط الديون + الفوائد X 100 قيمة الصادرات وقد ازدادت الديون الخارجية في الدول النامية من حوالي 70 مليار دولار في بداية السبيعنيات إلى حوالي تريليون دولار في منتصف الثمانينات إلى أن زادت عن 2 تريليون دولار في عام 1995م، وأصبح عبء خدمة هذه الديون يساوي 175% من صادرات الدول النامية في عام 1990. وتفرض المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي شروطاً على الدول النامية مقابل إعادة جدولة ديونها وتتعلق هذه الشروط باتباع سياسات إصلاحية اقتصادية وسياسية وهذه السياسات تحد من الاستقلال الاقتصادي والسياسي لتلك الدول.
د- التبعية التكنولوجية: تتضمن التكنولوجيا جانبين أحدهما مادي يتمثل في المعدات والآلات والآخر غير مادي يتمثل في المعرفة المحيطة بابتكار التكنولوجيا وكيفية استخدامها. يمكن معرفة درجة تقدم الدولة تكنولوجيا من خلال معرفة صادرات الدولة من التكنولوجيا المتقدمة كنسبة من صادراتها الصناعية. ففي عام 2000 كانت هذه النسبة في أمريكا 34%، وفي اليابان 28%، وفي دول النمور الآسيوية مثل تايوان 39%، ماليزيا 59%، سنغافورة 63%، بينما كانت هذه النسبة في مصر صفر%، رواندا 1%، سوريا صفر%، ويعكس ذلك مدى التخلف التكنولوجي في الدول النامية مقارنة بما هو سائد في الدول المتقدمة، وسيطرة الدول المتقدمة على السوق الدولي للتكنولوجيا الحديثة. بشكل عام تستورد الدول النامية حوالي 90% من التكنولوجيا المجسدة في صورة سلع رأسمالية، وأنها تنتج منها محلياً 10% فقط في صورة معدات وآلات بسيطة مكملة لها يستخدم معظمها في القطاع الزراعي. وتوضح هذه النسب مدى تبعية الدول النامية تكنولوجيا للدول المتقدمة.
6- انخفاض كل من معدلات الإدخار ومعدلات الاستثمار: تتميز الدول النامية بصفة عامة بانخفاض مستوى الإدخار وذلك بسبب انخفاض مستويات الدخول، ويوضح الجدول رقم (1-5) معدلات الإدخار كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال فترتين من الزمن. جدول رقم (1-5) معدلات الإدخار كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عقد الثمانينات وخلال سنة 1993 معدلات الإدخار كنسبة الناتج المحلي الإجمالي خلال عقد الثمانينات معدلات الإدخار كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة 1993 الدول النامية منخفضة الدخل 7% 10% الدول النامية متوسطة الدخل 24% 22% الدول المتقدمة مرتفعة الدخل 21% 20% يتضح من الجدول رقم (1-5) الفارق الواسع بين حجم الإدخار في الدول النامية والدول المتقدمة وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار المستوى المطلق للدخول في كل مجموعة من الدول ويلاحظ كذلك أن80%من إجمالي الدخول القومية في الدول النامية توجه نحو الاستهلاك الخاص. ويترتب على انخفاض معدلات الإدخار في الدول النامية انخفاض معدلات الاستثمار اللازمة لتحقيق معدلات النمو المستهدفة في الدول النامية.
حلقات الفقر الخبيثة أو المفرغة: وهي تمثل أحد خصائص التخلف الاقتصادي وهي ناتجة عن انخفاض مستويات الدخول ومستويات الادخار والاستثمار وانخفاض انتاجية عنصر العمل. وتعاني الدول النامية من وجود حلقتين من حلقات الفقر المفرغة، إحداهما على جانب العرض والأخرى على جانب الطلب وذلك كما هو موضح في الشكل رقم (1-1): شكل رقم (1-1) حلقات الفقر المفرغة في الدول النامية انخفاض القوة الشرائية والطلب على السلع انخفاض انتاجية عنصر العمل انخفاض الدخل انخفاض حجم رأس المال انخفاض القدرة على الإدخار انخفاض الحافز على الاستثمار انخفاض حجم رأس المال انخفاض انتاجية عنصر العمل
تصور الحلقة المفرغة على جانب العرض أن انخفاض مستوى الدخل يؤدي إلى انخفاض القدرة على الادخار وبدوره يؤدي إلى انخفاض حجم رأس المال مما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية عنصر العمل وما يترتب عليه من انخفاض مستوى الدخل، وهكذا تكتمل الحلقة. أما على جانب الطلب فإن انخفاض مستوى الدخل يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية لدى الأفراد وبالتالي انخفاض الطلب الكلي على السلع والخدمات مما يؤدي إلى انخفاض الحافز على الاستثمار ومن ثم انخفاض حجم رأس المال وبالتالي انخفاض انتاجية عنصر العمل وما يترتب عليه من انخفاض مستوى الدخل حتى تكتمل الحلقة.
ثانياً/ الخصائص الاجتماعية للتخلف: تتميز الدول النامية ببعض الخصائص الاجتماعية التي تميزها عن الدول المتقدمة أهمها: ارتفاع معدلات النمو السكاني وارتفاع عبء الإعالة. انخفاض مستوى التعليم وارتفاع معدلات الأمية. تفشي ظاهرة الفساد. وسوف نستعرض هذه الخصائص بإيجاز: ارتفاع معدلات النمو السكاني وارتفاع عبء الإعالة: يقدر عدد سكان العالم بنحو 6.1 بليون نسمة وفقاً لإحصائيات عام 2001 ومن المتوقع زيادتهم إلى 10 بليون نسمة عام 2100 ويولد كل عام نحو 90 مليون طفل في العالم، يبلغ نصيب الدول النامية من هذه الزيادة نحو 80 مليون طفل.
التوزيع الجغرافي لسكان العالم: 84% من سكان العالم يقطنون الدول النامية التي تقع في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، و 16% فقط من سكان العالم يعيشون في الدول المتقدمة. ويلاحظ أن الزيادة السكانية في أفريقيا وآسيا تصل إلى 50% من الزيادة السكانية في العالم، وتشير البيانات كذلك إلى أن كل من الهند وأندونيسيا والبرازيل وبنجلادش وباكستان ونيجيريا تحقق معاً زيادة سكانية أكبر من تلك المحققة في الدول المتقدمة، وتبلغ الكثافة السكانية في الدول النامية 53 نسمة لكل كيلو متر مربع مقارنة ب 22 نسمة لكل كيلو متر مربع في الدول النامية.
عبء الإعالة: يمكن قياس عبء الإعالة حسب القانون التالي: عبء الإعالة = مجموع الأفراد أقل من 15 سنة + مجموع الأفراد فوق 65 سنة % مجموع السكان فوق 15 سنة وأقل من 65 سنة ويلاحظ ارتفاع عبء الإعالة في الدول النامية وذلك بسبب ارتفاع نسبة الأطفال من السكان في الفئة العمرية من (يوم – 14 عاماً) حيث يمثل الأطفال تحت 15 سنة في هذه الدول ما يقرب من نصف عدد السكان (48% من السكان في نيجيريا و 50% في كينيا و 44% في المكسيك و 45% في باكستان). وفقاً لبيانات عام 2002 يصل عبء الإعالة في كل من الدول النامية متوسطة الدخل والدول النامية منخفضة الدخل إلى حوالي 70%، 60% على التوالي، في حين تكون هذه النسبة في الدول المتقدمة أقل من 50%، فمثلاً يبلغ عبء الإعالة في سويسرا 40% بينما في مصر 70%، وفي سوريا 80%، وفي بنجلادش 70% وهذا يعني أن القوة العاملة في الدول النامية تتحمل ضعف العبء الذي تتحمله القوة العاملة في الدول المتقدمة.
2- انخفاض مستوى التعليم وارتفاع معدلات الأمية: خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي كان نصيب الفرد من الإنفاق على التعليم لا يتعدى 13 دولار في المتوسط سنوياً في الدول النامية، في مقابل 230 دولار في الدول المتقدمة، ناهيك عن الفروق الشاسعة في نوعية التعليم وكفاءة النظام التعليمي. حسب بيانات 2000م كانت نسبة الإنفاق على التعليم في الدول المتقدمة 6% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كانت هذه النسبة في الدول النامية متوسطة الدخل 2.9% وفي الدول النامية ذات الدخل المنخفض 1.1%. ويزداد الفرق وضوحاً في حالة القيم المطلقة للإنفاق نظراً لضخامة مستويات الدخول في الدول المتقدمة مقارنة بالدول النامية. اهتمت الدول النامية بالتعليم وزاد عدد المقيدين بالمدارس باعتبار التعليم الابتدائي إلزامي، ولذا تضاعف عدد المقيدين بالمدارس وأصبح يمثل 81% من عدد الأطفال في الفئة العمرية (6-11 سنة) في الدول النامية منخفضة الدخل، 87% في الدول النامية متوسطة الدخل ووصلت هذه النسبة إلى 100% في دول أمريكا اللاتينية. وتنخفض نسبة المقيدين بالمدارس في المستويات التعليمية الأعلى بسبب ظاهرة التسرب من التعليم، حيث تقدر نسبة من يتركون الدراسة قبل إتمام مرحلة التعليم الأولى 20%، 54%، 75% من إجمالي المقيدين بالمدارس في دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية على التوالي.
ظاهرة الأمية: بشكل عام انخفضت نسبة الأمية في الدول النامية ككل من 60% من السكان في عام 1960 إلى 51% في عام 1980 ثم إلى حوالي 19.5%، 37% في كل من الدول النامية منخفضة الدخل والدول النامية مرتفعة الدخل في عام 2000م. وقد كانت أعلى نسب الأمية خلال عقد الثمانينات في أفريقيا 74%، الدول العربية 73%، آسيا 47%، أمريكيا اللاتينية 24%، في حين كانت هذه النسب لا تتعدى 1% في الدول المتقدمة وتنعدم في الوقت الحاضر. بالرغم من زيادة الاهتمام بالتعليم في الدول النامية إلا أنه لا زالت نسبة الأمية مرتفعة جداً، وهذا يعرقل عملية التنمية الاقتصادية بسبب انخفاض العمالة الماهرة المدربة، وقصور الكفاءات والخبرات الإدارية.
3-تفشي ظاهرة الفساد: تعريف الفساد: يعد الفساد ظاهرة اقتصادية واجتماعية وسياسية لها جوانب متعددة، ويواجه كافة المجتمعات، خاصة في الدول النامية، وقد أرجع تقرير منظمة الشفافية العالمية (1999) انتشار الفساد في القطاع الحكومي بالدول النامية إلى ضعف المرتبات وشعور المسئولين بالحصانة ضد توجيه الاتهامات لهم أو التحقيق معهم. تعريف الفساد: يتمثل الفساد في التصرفات التي يترتب عليها تحقيق مصالح ومنافع وامتيازات خاصة على حساب المصالح العامة أو مصالح الآخرين أو مصالح الجهات التي يعمل بها هؤلاء الأفراد المستفيدون من هذه التصرفات.
بعض آليات أو طرق الفساد: آلية دفع الرشوة والعمولة للموظفين والمسئولين في الحكومة والقطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات وتسهيل الأمور لرجال الأعمال والشركات الأجنبية. 2. الرشوة المقنعة أو العينية في شكل وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي وفي قطاع الأعمال العام والخاص. الآليات السابقة تسمى بالفساد الصغير، وهو مختلف تماماً عما يمكن تسميته بالفساد الكبير، المرتبط بالصفقات الكبرى في المقاولات وتجارة السلاح والحصول على التوكيلات التجارية للشركات الدولية متعددة الجنسيات.
أهم مجالات اقتصاديات الفساد في الدول النامية: التهرب الضريبي. تخصيص الأراضي من خلال القرارات الإدارية العليا. المحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية. إعادة تدوير المعونات الأجنبية للجيوب الخاصة، حيث تشير بعض التقارير إلى أن أكثر من 30% منها لا تدخل خزينة الدولة، وتذهب إلى جيوب المسئولين الكبار. قروض المجاملة التي تمنحها المصارف بدون ضمانات كافية لكبار رجال الأعمال. عمولات عقود البنية التحتية وصفقات السلاح. العمولات والإتاوات التي يتم الحصول عليها بحكم المنصب أو الاتجار بالوظيفة العامة. رشوة رجال الصحافة والقضاء وجهاز الأمن لتسهيل مصالح غير مشروعة والحصول على امتيازات خاصة.
أهم أسباب الفساد في الدول النامية: غياب الشفافية وذلك في المجتمعات غير الديمقراطية المغلقة على إعلامها. الاختلالات السعرية بسبب تقديم الدعم لبعض السلع والخدمات ووجود أكثر من سعر للسلعة. انخفاض مستوى الخدمات العامة بسبب انخفاض الأجور ومن ثم ضعف الحافر على العمل، فضلا عن ضعف الرقابة. ضعف السلطة القضائية بسبب عدم استقلالها عن السلطة التنفيذية. عدم التعرض للمساءلة بسبب نقص شرعية المؤسسات الموجودة بالدول النامية، ووجود أفراد فوق القانون. الخلل الاجتماعي بسبب غياب الديمقراطية والانحياز إلى النخبة الحاكمة من أفراد الشعب. المغالاة في القوانين والقرارات لكي تحافظ الحكومات غير الديمقراطية على قوتها وسطوتها داخل البلاد.
الآثار السلبية للفساد: سوء تخصيص (توزيع) الموارد الاقتصادية، سواء على جانب الإنتاج أو الاستهلاك. إعاقة عملية التنمية، حيث يسهم الفساد في استمرار الدولة في دوامة التخلف والفقر، بسبب تهريب الأموال للخارج وإقامة مشروعات عقيمة. انخفاض الاستثمار وسوء توجيهه، وبالتالي، إعاقة بناء قاعدة انتاجية سليمة مما يحد من التراكم الرأسمالي في الدول النامية. تشويه القرارات الرسمية، وبالتالي إهمال الأولويات تفضيلاً لمشاريع يحددها المسئولون وتحقق مصالحهم. عدم تحقيق العدالة الاجتماعية، متمثلاً في سوء توزيع الدخول والثروات المصاحب لعملية النمو الاقتصادي. زيادة حدة عجز الموازنة العامة للدولة، نتيجة لزيادة الفجوة بين الإيرادات العامة والنفقات العامة. ضعف الشرعية السياسية، مما تضطر الحكومات إلى استخدام القوة والتدابير القهرية للمحافظة على النظام السياسي الذي يخدم مصالحها. يترتب على كل ما سبق إعاقة عمليات الإصلاح والتقدم في الدول النامية واستمرارها في دائرة الفقر والتخلف.